خربشات.. (وطن)

صلبوا أوردتي وشراييني
وسمروا الحنين على جدران الغياب
أشعلوا النار في جنبات قلبي
حتى صار الرماد شاهدي الوحيد

في سراديب وجعي
صهلت غيمة سوداء
كأنها تئن من ثقل الفقد
وهب الأنين في الحنايا
ليستحيل وجعي مطرا
لا ينبت وردا... بل دما للوطن

يا وطني..
كم من قلب عليك احترق
وكم من روح فيك انسكبت
وما زلت رغم النزيف
تنهض من رمادك كالفينيق!

تشابه الحب والحرب في شيء واحد
كلاهما لا يقوى عليهما سوى الرجال بحق
فالحرب لا يكسبها الجبناء
والحب لا يحسن خوضه من يخشى الانكسار

كلاهما يحتاج شجاعة... صبرا... وفروسية في المواقف
ففي الأولى تروى الأرض بالدم
وفي الثانية تروى القلوب بالنبض
فاما ان تربح الحب لو كنت صادق
او تربح الوطن ان كنت شجاع~

كلامنا مؤلم بقدر ما هو صادق
ففي أوطان أثقلها الانتظار
الصبر ليس فضيلة فقط
بل وسيلة للبقاء
نمسك بأطراف الأمل
كمن يمسك بتلابيب الحياة
نصمد.. لا لأننا أقوياء دائما
بل لأنه لا خيار آخر أمامنا
كل يوم نعيشه رغم الخذلان
هو انتصار صغير لا يرى
لكنه عميق جدا في قلوبنا
دمنا صامدين كأرضنا.

الذين يكتبون عن الغربة
لو ذاقوا مرارة الوطن
لعرفوا أن الغربة الحقيقية
قد تسكن بين الجدران التي وُلدوا فيها.

أجمل التجار من أنفق ماله لنصرة الدين
وأقبحهم من باع دينه ليشتري مالًا زائلًا
فشتان بين من يسعى لرضا الله
ومن يركض خلف سراب الدنيا.

حين قالوا:
"إن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزعه بالقرآن"
فهمناها مقلوبة، فعبدنا السلاطين
لا هيبة لعدلهم.. بل خشية من بطشهم
فصلينا لهم.. ومدحناهم كما يمدح الإله
فرفعونا قليلا بالنفط.. ثم أغرقونا بسرقات لا تجف

أغلقوا علينا أبواب الوعي.. وفتحوا خزائنهم
لا لنعرف عدل السلطان.. بل لننسى آيات الرحمن

فما بين سلطان لا يرحم.. وشعب يمجد
ضاعت الحروف.. وتاهت الحقيقة
وباتت السجون أوطانا..
والمساجد منابر خوف لا رجاء فيها.

التاريخ خارج حدود البشر..
لا تقاويم تقرأ، ولا سطور تسجل
فهناك الزمن واقف على عتبة النسيان
والحكايات تتبعثر كرماد في مهب الريح

التاريخ؟
ذلك الذي نسجوه من وهم انتصاراتهم
وغفلوا عن مرآة أخطائهم الملطخة بدم الأبرياء
كتبوه بأقلام من كبرياء، لا من حكمة
نسوا أن التاريخ لا يروى، بل يحس

خارج حدود البشر..
الزمن بلا ذاكرة
والتكرار لعنة
لأنهم لم يتعلموا من الأمس
فصار الوطن
اليوم مرآة للخراب
وغد بلا ملامح.

وحده الملك.. لا يجوز له التيمم
فهو من يغتسل الوطن به
لا العكس
كل الوجوه التي تركع له
لا بد أن تمر أولًا بماء الارض المسلوبة
أن تُطهَّر بدم الشهداء
أن تُعمد بعرق الكادحين

النفط للملك.. والخير للملك
فليكن له كل ما يريد
لكن لا تسلبوا روح الوطن من أفواه الجائعين
دعوا الوطن يُقسم بين أطفاله بالتساوي
فلا وطن يُبنى على مجد رجل
ولا مجد يستقيم على صمت الجموع

فالمَلك...
إن لم يكن ظل للعدل
فهو ظل شجرة بلا جذور.

قلنا للوالي:
رأينا في المنام وطناا
تُعطى فيه الحقوق قبل أن تُطلب
ويُحاسب فيه الظالم ولا يُصفق له
والمناصب فيه لا تورَّث ولا تُشترى

فتبسّم، وقال:
ذاك من وَهْم النائمين…
عليكم بأذكار المساء

فابتسمنا بحسرة
وقلنا: لا ضير…
سنحلم كل ليلة
حتى يتحول الحلم إلى واقع
ويصحو الوطن ذات فجرٍ على
عدالة لا تُشترى
وكرامة لا تُمنح ببطاقة واسطة~

كنا جبلين…
شاهقين من الكبرياء
كان كلاً منا يخشى الانكسار
أكثر من فقدان الأرض

نظرنا إلى الوطن
وهو يحتضر بيننا
كطفل تائه
ينادي ولا أحد يسمع

لم نتزحزح…
لم نتقدم خطوة نحو بعضنا
خشينا أن نُقال ضعفاء
فمات الوطن
ضحية جمودنا لا خلافنا

كم وطنا سيموت
قبل أن نعي أن التنازل حبّ
وأن الخطوة الأولى بطولة
وأن الكبرياء لا يبني بيتا
ولا يحرّر أرضاا~