عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10-31-2020
زهراء دياب غير متواجد حالياً
SMS ~
اوسمتي
اداري مميز كاتب مميز 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 392
 تاريخ التسجيل : Jun 2020
 فترة الأقامة : 1766 يوم
 أخر زيارة : 06-06-2022 (04:25 PM)
 المشاركات : 23,898 [ + ]
  مواضيعي : 242
  عدد الردود : 23656
 التقييم : 22721
 معدل التقييم : زهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond reputeزهراء دياب has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]

اوسمتي

افتراضي حين يبكي الياسمين .....قصة دمشقية




ربيع عرابي

حين يبكي الياسمين .....قصة دمشقية









ذكريات ياسمينة دمشقية
استشهدت في القيمرية …
و أودعت في تراب الشام …
بعضاً من زهراتها البيضاء …



شقَّت أصواتٌ كالرعد القاصف سكونَ السحر، فأنهت هدوءَ الليل، ونشرت الخوف والترقب في المكان، فمنذُ شهور عديدة راحت هذه الأصوات تعكر صَفوَ الحي وهدوءَه الراتب، تارة في ظلمة الليل، وأخرى في وضح النهار.

سمعت الياسمينةُ البلدية البيضاء أهلَ البيت يتهامسون فيما بينهم مراراً، يقولون إنها طلقات رصاص قاتل، تنطلق من مدفع رشاش، نُصِبَ على سطح مبنى قريب، وراح قناصه يترصدُ العابرين والمارين، ويصوبُ قذائفه المميتة على من لا يعجبه منهم، فيرديه جثة هامدة، وتصعد روحه شاكية ظُلامتها إلى رب السماء.

لم تفهم الياسمينة معنى هذا الكلام ومغزاه، فهي رسول الحب والفرح والسلام، بيضاءُ رقيقةٌ ناعمة، لسانُها الشكر، وأريجُها العطر.

إيـــــه … يالها من أيام خلت … تنهدت الياسمينة الخائفة محدثةً نفسها، مستذكرة الأيام الهانئة، والأماسيَ الهادئة، حين كانت تقضي لياليها تغازلُ القمر والنجوم، فلا تصحو من غفوتِها إلا على صوت المؤذن يبتهل إلى مولاه قُبَيلَ صلاة الفجر1، مداعباً آذان الغافلين، مذكراً النِّيام برب العالمين، فيُحيي نفوسَهم بعد مَوات.



كانت أغصانُها العالية تُعنقُ نحو (مئذنة العروس) القريبة، تتخيلُ (الدُّومَرِي) وهو يصعد درجاتها، في ليالي الأعياد، ليُسرج الفوانيس الكبيرة عند الغروب، فتبدو المئذنة كالعروس ليلة زفافها.

وكانت تترقبُ صوت المؤذن الندي، يعلن انتهاء الفجر الكاذب وبزوغ الفجر الصادق، فتتثاءب قليلا، مودعة نجومَ السماء، تُبَللُ ريقَها، وتغسلُ زهراتها بقطرات الندى المتجمعة على أوراقها الناعمة، فتطرد عنها وسنات النوم، وأضغاثَ الأحلام، ويُفارقُ (الحَجِّي) فراشَه موقظا (الحَجَّة)، معلنا عودة النشاط للبيت، ليبدأ يوم جديد.

سنونٌ2 مضت، وعقودٌ مرت، دون أن تُغَيرَ من رتابة الحياة، نظامٌ دقيقٌ سار عليه الحجي وأبوه وجَدُّهُ وجَدُّ جَدِّهِ من قبل، واستمتعت به الياسمينة كل يوم، ولا عجب في ذلك، فهي (بنت البيت)، بل قيل أن أجدادها كانوا هنا قبل أن يكون البيت، بل يخيلُ إليها أن بعض أغصانها نثر عطره وزهوره البيضاء على قبر هابيل الشهيد، بعد أن قتله قابيل ودفنه أمام ناظريها في سفح قاسيون.

خفَّفت الياسمينة شيئا من غَلوائها، وقد خشيت أن يكون بعض صديقاتها وجيرانها قد استرق السمع وتسلل إلى خواطرها وهمساتها، فتُصبح مثار التَّنَدُّرِ والسخرية بين الجميع، وهي تريد أن تبقى موفورةَ الكرامة، عزيزةَ النفس، مرفوعةَ الرأس على الدوام.

تلفتت الياسمينة يمنة ويسرة، وراحت تُنَقِّلُ نظراتها بين الشُجَيرات والزهور والورود المتناثرة في زوايا (أرض الدِّيار)، وعلى عتباته ودرجاته، وفي أحواضه وأصُصِه، أمام النوافذ وفي زوايا الأبواب وعلى جوانب (البَحْرة) الكبيرة.

هناك يستلقي (الهوا) قرب (الخُبَّيزة) و (السجادة)، وبجانبه يتمايل (عطر الليل) و (الرَّيحان)، وعند الدرج تنام (الخَتمِية) و (المَلِّيسَة)، بينما تنتصب في الركن الأيمن شجرة (الأكيدُنيا)، غير بعيد عن شجرة (الكبَّاد)، تفصل بينهما (النَّارنجَة) العتيقة، وتقاسمت داليتا العنب البلدي والحلواني سماء (الجُنينَة) الصغيرة.

وقرب (اللِّيوَان)، فرشت (المجنونة) ألوانَها الحمراء والبرتقالية والبنفسجية، متباهية بجمالها على (الشُكرية)، بينما راحت (المدَّادة) تتسلق بخفة ورشاقة الجدرانَ والأغصانَ كلص خبير متمرس، ومدت لسانها مكايدة (الليلك) و (النرجس) و (البنفسج) الذي تسلب رائحته الألباب.

وتوزعت العديد من الزهور العجيبة الغريبة في الأصص هنا وهناك، متحاشية نظرات الفضول، وغمزات الهزء والسخرية من أسمائها المضحكة، فهذه المغرورة والـ (شَايفِه حَالهَا) يدعونها (آه يا أنا)، وتلك البخيلة الشحيحة ينادونها (ليلة القدر)، لأنها لا تتفتح إلا مرة واحدة في السنة، وهناك (الغنَّاجة) أو (المستحية) التي تتصنع الحياء والخجل، فتُغلق أوراقَها إذا لامستها يد غريب، ثم تفتحها بعد قليل، وقربها (تم السمكة) الشريرة و (لسان الحَمَاية) الطويل، أسماء تدعو للشفقة وتثير الضحك.

على كل حال، فليس للياسمينة البيضاء مشكلة مع كل هؤلاء، ولا يعنيها غنجهم ودلالهم وألوانهم وعطورهم، فهي ياسمينةٌ بيضاء … طيبةٌ نقية، واثقةٌ من حسنها ورِقَّتِها ونعومتها، متأكدةٌ من عشق الجميع لها، وهي بعد ذلك ليست مَهِيضَةَ الجناح (مقطوعة من شجرة)، فقريبتها (الياسمينة العَرَاتلية) تعيش قربها، وهما تشرفان معا على أرض الديار، وتتقاسمان النفوذ فيه، فهو مملكتهم وبيتهم وأرضهم.

مشكلة الياسمينة الحقيقية والتي كانت تحاول جاهدة إخفاءَها عن العيون، هي غيرتها الشديدة من (الفُلِّ) الأبيض، و (القُرُنفُل) الفَتَّان، و (الزَّنبق) البلدي، وأشدُّ من ذلك كله على نفسها، تلك التي يدعونها (الوردة الجُورية الشامية)، التي ملأت الدنيا شهرتها، فتُوِّجَت ملكة جمال الورود والأزهار، رغم نزعتها السادية وحبها للدماء، فكم أدمت من أكف، وكم جرحت أشواكها من أياد ناعمة.

ما علينا … فالحياة لا تصفو لأحد … وعلى الياسمينة أن تتحمل المنافسة مع ضرائرها، وأن تحافظ على نقائها وبياضها وصفائها مهما كانت الأحوال، فهي ياسمينة أصيلة و (بنتُ بلد)، أجدادُها وأجداد أجدادها، طَعموا من هذا التراب، وشربوا من مائه، وعَطَّروا هواءه، أما بقية الورود والزهور فكلُّها (جَلَبْ)، غريبة عن أرض الديار، أشفق عليها صاحب البيت فأذن لها بالإقامة فيه، وغمرها بفضله وعنايته … لكن المشكلة أنَّ الوردة الجورية والفلة البيضاء، مثلها، (بنات بلد) أيضاً … أصيلتان في المكان …

على أي حال … كُتب علينا أن نتجاور في أرض الديار، نُزينُ أحواضَهُ وجدرانَهُ المبنيةَ بـ (الحجر المزّاوي) الجميل، ونظللُ سماءَه بأوراق الدوالي العريضة، ونعطرُ هواءَه بعبقنا وأريجنا الممزوج برذاذ النافورة الناعم، يتدفق وسط البحرة بنقوشها البديعة.

ونمضي نهارنا نتسلى برؤية الغرف الموزعة حول أرض الديار نراقب الخارج منها والداخل إليها، فذاك (مُرَبَّعُ) الحجي و الحجة، وإلى يساره (مَخْدَعُ) ابنهما أبو وليد وزوجته أم وليد، وبجانبه مخدع حفيد الحجي وليد وأخته الصغيرة التي ينادونها (العروسة)، وعلى يمين ذلك كله مربع الأكل.

أما أنا – تابعت الياسمينة – فكَونِي عريقةَ الأصل، ذات حسبٍ ونسب، فأنا أطلُّ على (القاعة) أتملى زخارف جدرانها وسقفها التي تبهر الأبصار، وأراقب (الفُستُقية) الصغيرة التي تتوسطها، فتزيدها بهاءً ورونقاً، وأُنَقِّلُ النظر بين القاعة و الليوان، مجلسِ السُمَّارِ، ومَوئِلِ السَّهَراتِ العِذَاب.

كانت فرحتي لا توصفُ حين تأمر الحجة بتنظيف البيت، فينقلب رأساً على عَقِب، وتعلو أصوات (القباقيب) الخشبية تَرِنُّ في أنحائه، فَتُمسَحُ الدفوف الخشبية المرصوفة على الدكَّات، وتُنَظفُ الحُصُر، ثم تُوضعُ فوقَها الطنافسُ والبُسُط، بعد أن تنالَ حظَّها من الشمس والهواء، وتُرتبُ (الطَواطِي) و الدواوينُ على الجوانب، بمفارشها (الدَّامسكو) الموشاة، فما إن ينتهي النهار، ويقتربُ موعد عودة الحجي إلى البيت، حتى يعودَ كل شيء إلى مكانه، ويسود الهدوء والنظام من جديد، وقد غسل البيت أدرانه، ونظف أركانه.

كان الحجي وَقوراً مَهيباً حازماً، قد زين الشيبُ رأسَه، وأعفى شاربَه ولحيتَه، يُخيَّلُ لمن يراه أنه قاسي القلب، شديدُ البطش، لكنه في حقيقة الأمر، عطوفٌ مغرمٌ بنا، (يده خضراء)، لطالما غمرنا بعنايته ورعايته، وأحبنا كأولاده وأحفاده، وأنَّبَ ابنه الوحيد أبا وليد لتقصيره في سقايتنا من (ماء الفيجة) العذب البارد – فنحن مُدلَّلاتٌ لا نشرب غيره -، معتبراً أننا أمانة في رقبته، سيسأل عنها يوم القيامة : “فهي روحٌ بين أيدينا، مرهفةُ الإحساس، رقيقةُ المشاعر، تحبُّ من أحبها، وتعشقُ من عشقها، فإذا أُهمِلَت أو عُومِلَت بقسوة (حَرَدَت) وفارقت الحياة، وراحت تشكونا إلى خالقها، أن ضيعنا الأمانة، وفرَّطنا في النِّعمة”.

كان الحجي شديدَ الخوف والقلق علينا، وحين قرر أن يحج بصحبة الحجة، تركنا ووحيده أبا وليد أمانة عند ابن عمه، ورجاه أن يهتم بنا في غيبته، واستحلفه أن يُحسنَ صُحبتنا حتى عودته، ونَقَده من المال ما يكفي لرعايتنا، ولم تشفع عنده دموع ابنه ترجوه الإذن له بالحج، فالحج في رأي الحجي عبادةٌ عظمى، لا تَصِحُّ ولا تُقبلُ إلا بعد أن يُكمِلَ الفتى نصف دينه، ويُعفَّ نفسَه بالزواج.

ويوم السفر، بعد أن حزم أمتعته وأكمل استعداده للرحيل، مرَّ بنا، وَدَّعَنا، واقترب مني فقبل أحد زهراتي، وقطف غُصَينا صغيراً من غصوني الوليدة ليُذكره بي، وحين لمحته الحجة ابتسمت ولم تَغَر مني، فهي امرأة عاقلة (حجة!!!)، وأنا مجرد ياسمينة بلدية بيضاء، ناعمة رقيقة، في خدمتها وخدمة زوجها.

وعاد الحجي من الحجاز بعد شهور، فقامت الدنيا وقعدت، فنُظِّفَ الحي وزُيِّنَت الحارة، واجتمع الأهل والجيران والأصحاب لإستقبال ضيوف الرحمن، فما إن وَطِئت أقدامُهم أرضَ الحيِّ حتى أحاط بهم الشباب من كل جانب فرحين هاتفين مهللين :




حين يبكي الياسمين .....قصة دمشقية




يتبع






كلمات البحث

خواطر ، اشعار ، ادب ، تصميمات ، مقالات





pdk df;d hgdhsldk >>>>>rwm ]lardm



المصدر : || منتديات شهرزاد الادبية إسم الموضوع : || حين يبكي الياسمين .....قصة دمشقية  القسم : || التراث والاثار كاتب الموضوع : || زهراء دياب




رد مع اقتباس